هما رسولان بعَثَهما الله في جزيرة العرب بعد
نوح وقبل إبراهيم عليهم وعلى نبيِّنا الصلاة والسلام، أما هود فبُعث في جنوب الجزيرة ناحية حضرموت إلى قومٍ يقال لهم: عاد، وأما صالح فبُعِث في شمالها بين الحجاز والشام إلى قومٍ يقال لهم: ثمود، وعادة القرآن أن يذكرهما متتاليَين؛ لتشابه البيئتَين، وطبيعة القومَين، وأن قوم هود كانوا بعد قوم نوح، وقوم صالح كانوا بعد قوم هود، ويمكن ملاحظة الشبَه بين التجربتَين في النقاط الآتية:
أولًا: كلاهما بادَرَ قومه بالدعوة إلى التوحيد
﴿۞ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمۡ هُودࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥۤۚ﴾،
﴿وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَـٰلِحࣰاۚ قَالَ یَـٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرُهُۥ ۖ﴾ وهذا يدلُّ على تمكُّن الشرك في جزيرة العرب من شمالها إلى جنوبها وفي مرحلة مبكِّرة جدًّا في تاريخها، وتوحيد الخطاب حتى في الصيغة دليلٌ على تشابه المخاطَبِين في مستوياتهم وطريقة تفكيرهم.
ثانيًا: كلاهما كان حريصًا على قومه ناصِحًا لهم، قال هود لقومه:
﴿أُبَلِّغُكُمۡ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّی وَأَنَا۠ لَكُمۡ نَاصِحٌ أَمِینٌ﴾، وقال صالح لقومه:
﴿یَـٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَالَةَ رَبِّی وَنَصَحۡتُ لَكُمۡ وَلَـٰكِن لَّا تُحِبُّونَ ٱلنَّـٰصِحِینَ﴾.
ثالثًا: إن عادًا وثمودَ كلاهما كانا أُولي بأسٍ وقوةٍ ونعمةٍ، أما عادٌ فقال الله فيهم:
﴿وَزَادَكُمۡ فِی ٱلۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةࣰۖ فَٱذۡكُرُوۤاْ ءَالَاۤءَ ٱللَّهِ﴾.
وقال في ثمود:
﴿وَبَوَّأَكُمۡ فِی ٱلۡأَرۡضِ تَـتَّـخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورࣰا وَتَنۡحِتُونَ ٱلۡجِبَالَ بُیُوتࣰاۖ فَٱذۡكُرُوۤاْ ءَالَاۤءَ ٱللَّ﴾.
رابعًا: إن عادًا وثمودَ كانا أهل عنادٍ ومكابرةٍ؛ بحيث إنهما استعجَلَا عذابَ الله قولًا وفعلًا وبصَلفٍ وتحدٍّ، فقالت عادٌ لنبيِّها:
﴿قَالُوۤاْ أَجِئۡتَنَا لِنَعۡبُدَ ٱللَّهَ وَحۡدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ یَعۡبُدُ ءَابَاۤؤُنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِینَ﴾.
وقالت ثمود لنبيِّها:
﴿وَقَالُواْ یَـٰصَـٰلِحُ ٱئۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَاۤ إِن كُنتَ مِنَ ٱلۡمُرۡسَلِینَ﴾.
خامسًا: إن عادًا وثمودَ قد أهلكَهما الله بعذابٍ حاسمٍ، ففي عاد قال الله:
﴿وَقَطَعۡنَا دَابِرَ ٱلَّذِینَ كَذَّبُواْ بِـَٔایَـٰتِنَاۖ وَمَا كَانُواْ مُؤۡمِنِینَ﴾، وفي ثمود:
﴿فَأَخَذَتۡهُمُ ٱلرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِی دَارِهِمۡ جَـٰثِمِینَ﴾.