سورة القيامة تفسير مجالس النور الآية 27

وَقِیلَ مَنۡۜ رَاقࣲ ﴿٢٧﴾

تفسير مجالس النور سورة القيامة

المجلس التاسع والستون بعد المائتين: يوم القيامة


سورة القيامة


سورةُ القيامة تدُلُّ باسمها على مضمونها؛ إنّها السورة المختصَّة بأحوال يوم القيامة وما فيه من أحداثٍ وانقلاباتٍ كونيَّةٍ هائلةٍ، وما يعقُبُه من حسابٍ وجزاءٍ، وثوابٍ وعقابٍ، ولا شكّ أنّ الحديث عن هذا اليوم لا يأتي للإخبار المعرفي المجرَّد، وإنّما هو ركنٌ في المنظومة العقديَّة التي يُؤسَّس عليها المجتمع المسلم، وتُبنَى بها شخصيَّة الإنسان المُؤمِن، وكما يأتي:
أولًا: أقسَمَ الله قسَمًا مُؤكَّدًا بيوم القيامة ﴿لَاۤ أُقۡسِمُ بِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ﴾ ثم أقسَمَ قسَمًا مُؤكَّدًا آخر بالنفسِ الإنسانيَّة التي تَلُوم صاحبَها، وتدفعه لمراجعة سلوكه، ووزن تصرُّفاته بمِيزان الحقِّ والعدل ﴿وَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ﴾.
والعلاقة بين القَسَمَين: أنّ النَّفسَ اللوَّامةَ هي التي تنتفع بذِكر الآخرة، وهي القادرة على تصحيح مسارها، وهي بالنهاية التي تفوز في ذلك اليوم.
ثانيًا: بعد هذا القسَم المؤكَّد، أكَّدَت السورةُ عقيدةَ البعث، وأجابَت الإنسانَ عن تساؤله: ﴿أَیَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ ﴿٣﴾ بَلَىٰ قَـٰدِرِینَ عَلَىٰۤ أَن نُّسَوِّیَ بَنَانَهُۥ﴾ مُبيِّنة أنّ الدافع لإنكار الآخرة هو رغبة النفس الشريرة بالاستِمرار في فجورها، والانغماس في شهواتها ﴿بَلۡ یُرِیدُ ٱلۡإِنسَـٰنُ لِیَفۡجُرَ أَمَامَهُۥ ﴿٥﴾ یَسۡـَٔلُ أَیَّانَ یَوۡمُ ٱلۡقِیَـٰمَةِ﴾.
ثالثًا: تعرِضُ السورةُ مَشاهِدَ من ذلك اليوم الرهيب، مَشاهِدَ مما يصيب الأفلاك العلويّة وانقلاب نظامها، ومَشاهِد من صدمة الإنسان وذهوله وحيرته ﴿فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ ﴿٧﴾ وَخَسَفَ ٱلۡقَمَرُ ﴿٨﴾ وَجُمِعَ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ ﴿٩﴾ یَقُولُ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذٍ أَیۡنَ ٱلۡمَفَرُّ ﴿١٠﴾ كَلَّا لَا وَزَرَ ﴿١١﴾ إِلَىٰ رَبِّكَ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡمُسۡتَقَرُّ﴾.
رابعًا: تؤكِّد السورة أنّ ذلك اليوم هو يوم الحساب، الذي يرى فيه الإنسان صحيفته كاملة، كلّ ما قدّمه من عملٍ خيرًا كان أو شرًّا، وما كان عليه أن يعمله فتركه، كلّ ذلك مدوَّن ومحفوظ، والإنسان في حقيقته بصيرٌ بحاله، وعارفٌ بعمله مهما قدَّم من أعذارٍ ومسوِّغات ﴿یُنَبَّؤُاْ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴿١٣﴾ بَلِ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِیرَةࣱ ﴿١٤﴾ وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِیرَهُۥ﴾.
خامسًا: تنتقل السورة إلى موضوعٍ مُتعلِّقٍ بالوحي وحِرصه على حفظه وتخوُّفه من أن ينسى منه حرفًا واحدًا، فجاءت هذه الآيات لتُطمئِنه أنّ الله تعالى سيجمع له القرآن كاملًا كما أنزل ﴿لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦۤ ﴿١٦﴾ إِنَّ عَلَیۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ ﴿١٧﴾ فَإِذَا قَرَأۡنَـٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ ﴿١٨﴾ ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا بَیَانَهُۥ﴾ هذه الالْتِفاتة تؤكِّد أنّ كلّ هذه الأخبار إنّما هي من الله الذي خلق هذه الأكوان، وأنزل هذا القرآن.
سادسًا: تُقرّر السورة طبيعة بشريّة وإنْ تفاوت فيها الناس بحسب إيمانهم وحضور هذا الإيمان في قلوبهم ﴿كَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ ﴿٢٠﴾ وَتَذَرُونَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ﴾ فالناس يُفضِّلون الشيء العاجل ولو كان زهيدًا على الآجل ولو كان ثمينًا، ومِن ثَمَّ يميلون إلى الدنيا العاجلة أكثر من الدار الآخرة، وأمّا الكافر فهو الذي يذَر الآخرة بالكليّة، وينكَبُّ على الدنيا بالكليَّة أيضًا.
سابعًا: تُقسِّم السورة الناس في ذلك اليوم بحسب نتائج أعمالهم على قسمين: ناجٍ مُستبشر، وهالِك مُستحسِر ﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ ﴿٢٢﴾ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ ﴿٢٣﴾ وَوُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذِۭ بَاسِرَةࣱ﴿٢٤﴾ تَظُنُّ أَن یُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةࣱ﴾.
ثامنًا: تنقل السورة مشهدًا من مشاهد الاحتضار عند دنوِّ الأجل واقتراب الرحيل، وهو المشهد المعهود في كلِّ يومٍ وإن كان الناس عنه غافلين ﴿كَلَّاۤ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِیَ ﴿٢٦﴾ وَقِیلَ مَنۡۜ رَاقࣲ ﴿٢٧﴾ وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ ﴿٢٨﴾ وَٱلۡتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ ﴿٢٩﴾ إِلَىٰ رَبِّكَ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡمَسَاقُ﴾.
تاسعًا: تتوعَّد السورة ذلك الذي لم يُؤدِّ حقوقَ الله، ولم يؤدِّ حقوقَ عباد الله ﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ ﴿٣١﴾ وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ﴿٣٢﴾ ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ یَتَمَطَّىٰۤ ﴿٣٣﴾ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰ ﴿٣٤﴾ ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰۤ﴾.
عاشرًا: تُصحِّحُ السورة مفهوم الحياة والموت، وتُبيِّنُ أنّ الإنسان خُلِقَ لغايةٍ عظيمةٍ ولم يُخلَق عبثًا، وهذه الغاية العظيمة متّصلة بأدائه وسلوكه وما ينتظره على هذا الأداء والسلوك من ثوابٍ وعقابٍ ﴿أَیَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَن یُتۡرَكَ سُدًى ﴿٣٦﴾ أَلَمۡ یَكُ نُطۡفَةࣰ مِّن مَّنِیࣲّ یُمۡنَىٰ ﴿٣٧﴾ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ﴿٣٨﴾ فَجَعَلَ مِنۡهُ ٱلزَّوۡجَیۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰۤ ﴿٣٩﴾ أَلَیۡسَ ذَ ٰ⁠لِكَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰۤ أَن یُحۡـِۧیَ ٱلۡمَوۡتَىٰ﴾.


﴿لَاۤ أُقۡسِمُ﴾ صيغةٌ من صيَغ تأكيد القسَم، بمعنى: أُقسِم قسَمًا مؤكّدا.
﴿بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ﴾ بالنفس التي تلُوم صاحبها على الخطأ والتقصير.
﴿أَیَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ﴾ أي: أيستبعِد الإنسان قُدرتَنا على بعثه كما كان بعد أن تَتَفتَّتَ عظامُه وتَبلى في التراب؟
﴿بَلَىٰ قَـٰدِرِینَ عَلَىٰۤ أَن نُّسَوِّیَ بَنَانَهُۥ﴾ والبَنَان: الأصابع، وهي أصغر العظام، فجمعها وتعديلها يعني أنّ جمع ما عداها أهوَن، وكلّ ذلك على الله هيِّن.
﴿بَلۡ یُرِیدُ ٱلۡإِنسَـٰنُ لِیَفۡجُرَ أَمَامَهُۥ﴾ أي: يريد الكافر أن يتمادَى في فجوره في قابِلِ أيامه، ولا ينقطع عن ذلك بذكر الموت والاستعداد للآخرة؛ ولذلك فهو يُنكِر الآخرة ويسأل عنها سؤالَ المُنكِر المُستهزِئ ﴿یَسۡـَٔلُ أَیَّانَ یَوۡمُ ٱلۡقِیَـٰمَةِ﴾.
﴿فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ﴾ أي: شخَصَ لما يراه من أهوال القيامة.
﴿وَخَسَفَ ٱلۡقَمَرُ﴾ طُمِس وذهب نوره.
﴿وَجُمِعَ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ﴾ أي: يلتصِق القمر بالشمس، بمعنى أنّ الشمس تجذِبُه إليها، وهذا حينما يختلُّ النظام الكوني وتنتهي جاذبية الأرض، وعِلم الفلك الآن لا يستبعد ارتطام القمر بالشمس في أي لحظة لو حصل أي خلل في مداره حول الأرض.
﴿یَقُولُ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذٍ أَیۡنَ ٱلۡمَفَرُّ﴾ أي: يَسأل الناس مع بداية تلك الأحداث عن أي مهربٍ أو ملجأٍ، وهو سؤالٌ يأتي في سِياق اليأس والإيقان بالهلاك، وليس في سياق البحث.
﴿كَلَّا لَا وَزَرَ﴾ تأكيد لحالة اليأس التي يشعُر بها الناس يومئذٍ بألا وَزَر، والوزَر: المكان الذي يُلجَأ إليه في العادة عند الشعور بالخطر، وهذه الجملة قد تكون من تمام قول الإنسان، كأنّه يُجيبُ نفسَه، أو أنّها من كلام الله تعالى لبيان حقيقة ذلك اليوم، والمؤدَّى واحد.
﴿إِلَىٰ رَبِّكَ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡمُسۡتَقَرُّ﴾ أي: إلى ربّك المرجع وعنده الحياة المستقرة التي لا موت يقطعها ولا فناء.
﴿یُنَبَّؤُاْ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ أي: يُخبَر الإنسان بكلِّ أعماله صغيرها وكبيرها، أولها وآخرها، ما عمله فعلًا، وما كان مُكلّفًا بعمله فتركه ولم يعمله، والمقصود بالإنباء: المجازاة، لا مُجرّد الإخبار.
﴿بَلِ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِیرَةࣱ﴾ أي: بصير بما قدّم وأخّر، وإضافة التاء للمبالغة في الإبصار، كما تقول في علَّام: علَّامة، وفي فهَّام: فهَّامة.
﴿وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِیرَهُۥ﴾ بمعنى أنّه مهما يُقدِّم من أعذارٍ عن كفره وتقصيره فهو بصيرٌ وعارفٌ أنّه مُستحِقٌّ للعقوبة.
﴿لَا تُحَرِّكۡ بِهِۦ لِسَانَكَ لِتَعۡجَلَ بِهِۦۤ﴾ وَرَدَ في نزول هذه الآية وما بعدها أنّ النبيَّ كان يُحرّك لسانه وشفتيه عند سماعه الوحي ليحفظ عنه القرآن قبل أن يتفلَّتَ منه، فنزَلَت هذه الآيات تُطمئِنه على حفظ القرآن في صدره فلا ينسى منه شيئًا.
﴿إِنَّ عَلَیۡنَا جَمۡعَهُۥ وَقُرۡءَانَهُۥ﴾ أي: جمعه في صدرك فتحفظه وتقرأه كما أُنزل.
﴿فَإِذَا قَرَأۡنَـٰهُ فَٱتَّبِعۡ قُرۡءَانَهُۥ﴾ أي: إذا قرَأَ جبريل عليه السلام عليك كلامَنا المُنزَّل فأنصِت واستمِع لقراءته.
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا بَیَانَهُۥ﴾ أي: مع التلاوة والحفظ يأتي البيان، و﴿ﰉ﴾ لا يصحُّ أن تكون للتراخِي الزمني؛ لأنّ المعنى سيكون أنّ النبيَّ كان يُصغِي ويحفظ دون أن يتبيَّن المعاني، بل الصحيح أنّ المعنى مُلازِمٌ للفظ، وإنّما يتأخّر المعنى عن اللفظ تأخُّرًا اعتباريًّا؛ لأنّه بتمام الكلمة والعبارة يظهر المعنى، والله أعلم.
﴿كَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ﴾ أي: الدنيا؛ لأنّها حاضِرة عندكم.
﴿وَتَذَرُونَ ٱلۡـَٔاخِرَةَ﴾ أي: تتركون العمل لها؛ لأنّها مؤجَّلةٌ وغائِبةٌ عنكم.
﴿وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ﴾ أي: حسنةٌ ومُستبشِرةٌ بثواب الله والسعادة الدائمة.
﴿إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ﴾ ظاهرٌ في أن المؤمنين يرَون ربَّهم رؤيةً خاصَّة تُناسب أحوال الآخرة ونواميسها، ولا يصحّ قياسها بما نألَفُه في الدنيا، ولا أن نُلزِمها بلوازم الدنيا، ولا ينبغي التكلُّف في فهم الآية، فهي من النصوص الخبريَّة الغيبيَّة التي لا مجال للعقل في تحصيل هيأتها وكيفيتها، والله أعلم.
﴿وَوُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذِۭ بَاسِرَةࣱ﴾ أي: كالحة يظهر عليها أثر الخزي والمهانة.
﴿تَظُنُّ أَن یُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَةࣱ﴾ أي: تنزل بها طامَّة وداهية.
﴿كَلَّاۤ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِیَ﴾ وصفٌ لحالة الاحتِضار وخروج الروح إلى الحنجرة، وتلجلُج الأنفاس هناك، ونظيرُه قوله تعالى: ﴿فَلَوۡلَاۤ إِذَا بَلَغَتِ ٱلۡحُلۡقُومَ﴾ [الواقعة: 83]، والتراقي: جمع تُرقُوة، وهي العظمة التي بين ثَغرة النَّحر والعاتِق من أعلى الصدر، ولكلِّ امرئٍ تُرقُوتان.
﴿وَقِیلَ مَنۡۜ رَاقࣲ﴾ أي: قال أقرباؤه والحاضرون معه: من يرقِيه ليبرئه ممَّا أصابه، بمعنى أنّهم يبحَثون له عن طبيبٍ يُعالجه، أو داعٍ يدعو له.
﴿وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ﴾ أي: غلَبَ على ظنِّه أنّه قد حان الفراق.
﴿وَٱلۡتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ﴾ أي: جُمعت ساقَا الميت وضُمَّتا إلى بعضهما بعد أن أُدرِج الجسد كلّه بالأكفان.
﴿إِلَىٰ رَبِّكَ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡمَسَاقُ﴾ أي: فما هو بموتٍ على معنى الفناء، وإنّما هو انتقالٌ من دارٍ إلى دار، والمساق: مصدر الفعل ساق، بمعنى أنّه يُساق إلى مصيره عند ربِّه.
﴿فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ﴾ هذا الإخبار عن الكافر أنّه لم يُؤمِن بالله، ولم يؤدِّ ما افترَضَه عليه.
﴿وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ﴾ أي: كذَّبَ بالقرآن وما فيه من إخبارٍ عن اليوم الآخر وعقيدة الحساب والجزاء، وتولَّى أي: أعرض عن الحقِّ.
﴿ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰۤ أَهۡلِهِۦ یَتَمَطَّىٰۤ﴾ أي: مزهُوًّا مُتبختِرًا غير مبالٍ ولا مُكترِث.
﴿أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰ ﴿٣٤﴾ ثُمَّ أَوۡلَىٰ لَكَ فَأَوۡلَىٰۤ﴾، و﴿أَوۡلَىٰ لَكَ﴾ صيغةٌ من صيغ التهديد، والتكرار للتأكيد.
﴿أَیَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَن یُتۡرَكَ سُدًى﴾ أي: مُهملًا بلا حسابٍ ولا جزاءٍ، فيستوي الظالم والمظلوم، والمُصلح بالمُفسد.
﴿أَلَمۡ یَكُ نُطۡفَةࣰ مِّن مَّنِیࣲّ یُمۡنَىٰ﴾ يُذكِّره بأصل خِلقته يوم كان نُطفة من ماءٍ مهين.
﴿ثُمَّ كَانَ عَلَقَةࣰ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ﴾ أي: تدرَّجَ في الخلق حتى استوى بقوامه وتمامه.
﴿فَجَعَلَ مِنۡهُ ٱلزَّوۡجَیۡنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلۡأُنثَىٰۤ﴾ لتستمرَّ الحياة وتتعاقب الأجيال، وليس هذا من فعل الذَّكر ولا من فعل الأُنثى، ولا من الصُّدفة العمياء؛ فالقصد الحكيم في هذا التنوُّع ضرورة عقليَّة لا مناصَ منها، وهي شاهدةٌ على تقدير الخالق العليم سبحانه.
﴿أَلَیۡسَ ذَ ٰ⁠لِكَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰۤ أَن یُحۡـِۧیَ ٱلۡمَوۡتَىٰ﴾ هذا هو الدليل العقلي الذي يُخاطب به القرآن العقولَ دائمًا، فالخلق الأول دليلٌ بحدِّ ذاته على إمكانيَّة الخلق الثاني، فتبارك الله أحسَنُ الخالقين.