سورة الناس تفسير مجالس النور الآية 5

ٱلَّذِی یُوَسۡوِسُ فِی صُدُورِ ٱلنَّاسِ ﴿٥﴾

تفسير مجالس النور سورة الناس

المجلس المُتمِّم ثلاثمائة: التعوّذ بالله من شياطين الإنس والجن


سورة الناس


إذا كانت سورة الفلق قد خُصِّصَت لدفع الشرِّ والحسد، فإن سورة الناس قد خُصِّصَت لدفع أصل هذا الشرِّ، وأصل ذلك الحسَد، وهو وسوسة الشيطان التي تُزيِّنُ الباطل، وتغرِي بالمنكر، وقد استهلَّت هذه السورة بتأكيد معاني التوحيد؛ إذ هي العقيدة التي تحمِي المسلم من وسوسة الشيطان، فقال تعالى: ﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ﴿١﴾ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ﴿٢﴾ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ﴾ فأكَّد توحيد الله في ربوبيَّته؛ فالله هو خالق الناس، وهو سيّدهم، وهو الذي بيده أمرهم.
ثم أكَّد توحيده سبحانه في مُلكِهِ لهذا الخلق؛ إذ الذي يخلُقُ هو الذي يملِك، ثم أكَّد توحيده سبحانه في ألوهيَّته؛ فهو المستحقُّ للعبادة وحده، بحكم أنَّه لا ربّ غيره، ولا مالكٌ لهذا الكون سِواه، ومن مُقتضيات ألوهيَّته تعالى: اللُّجوء إليه وحده، والضَّراعة بين يديه لدفع شرِّ الشيطان ووسوسته ﴿مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ ﴿٤﴾ ٱلَّذِی یُوَسۡوِسُ فِی صُدُورِ ٱلنَّاسِ﴾.
ولكي لا يتوهَّم مُتوهِّمٌ أنَّ الشرَّ والوسوسة محصُوران في شياطين الجنِّ، جاءت الآية الأخيرة في السورة لتُبيِّن أنَّ هناك شياطين الإنس الذين يُوَسوِسُون أيضًا، ويعملون الشرَّ، ويدعُون إليه.


﴿قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ﴿١﴾ مَلِكِ ٱلنَّاسِ ﴿٢﴾ إِلَـٰهِ ٱلنَّاسِ﴾ تخصيصُ الناس هنا مع أن الله سبحانه هو ربُّ الخلق أجمعين؛ لأنهم هم المقصودون بهذا التعليم، وهم المقصودون أيضًا بوسوسة الشيطان، وفي هذا الاختِصاص معنًى آخر، وهو معنًى ودودٌ؛ إذ جاء في مُقابل كيد الشيطان، كأنَّه تطمِينٌ من الله يقول لهم: أنا الله ربُّكُم وملِكُكُم وإلهُكُم، وأنا معكم، فلا تخافوا من الشيطان.
﴿مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ﴾ هو الشيطان الذي يُوحِي بالخفاء إلى الناس بالأفكار الخبيثة التي تدعو إلى الشرِّ، وتُزيِّنُ المنكر.
﴿ٱلۡخَنَّاسِ﴾ هو الشيطان أيضًا، وهذه صِفةٌ من صفاته أنَّه خانِسٌ مُختفٍ لا تراه العيون، وهذا بطبيعة خِلقَتِه، لكن اقتِرانها بالوسوسة أعطاها معنًى مُضافًا، وهو أنَّه مُتربِّصٌ يتحيَّنُ الفرصة والثغرَة المناسبة ليبدأ في وسوسته.
﴿ٱلَّذِی یُوَسۡوِسُ فِی صُدُورِ ٱلنَّاسِ﴾ أي: يُلقِي فيها الشبهات، ويُزيِّن لها المنكرات.
﴿مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ﴾ بمعنى أنّ الوسواس الخنَّاس ليس من الجنِّ فقط، بل هناك من الإنس من يقوم بعمل الشيطان فيتربَّص ولا يُظهِر عداوته، ثم يتحيَّن الفرصةَ لإشعال الفتن، وإثارة الشبهات، والترويج للمنكرات، وإيقاع الناس في مهاوي الضلال والفساد، وهذا المعنى يؤكِّده القرآن في سورة الأنعام: ﴿شَیَـٰطِینَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ یُوحِی بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضࣲ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورࣰاۚ﴾ [الأنعام: 112].
أعاذنا الله وقارئ هذه الكلمات من شياطين الجن وشياطين الإنس، وختَمَ لنا بالصالحات، إنَّه قريبٌ سميعٌ مجيبٌ.