﴿نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ﴾ هو جبريل
عليه السلام.
﴿عَلَىٰ قَلۡبِكَ﴾ يا محمد، وفي العبارة من الوُدِّ والأُنس واللُّطف، والإشارة إلى النور الذي يعمُرُ قلبَه
ﷺ والمحبة والرحمة ما لا يخفى على لبيبٍ.
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِیࣲّ مُّبِینࣲ﴾ تأكيدٌ وبيانٌ لما ورد في مُستهلِّ السورة:
﴿تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُبِینِ﴾.
﴿وَإِنَّهُۥ لَفِی زُبُرِ ٱلۡأَوَّلِینَ﴾ بمعنى أنَّ التبشيرَ بهذا القرآن، والتنويه بمكانته وعلوِّ شأنِه قد ورد في الكتب السماويَّة السابقة.
﴿أَوَلَمۡ یَكُن لَّهُمۡ ءَایَةً أَن یَعۡلَمَهُۥ عُلَمَـٰۤؤُاْ بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ﴾ الظاهرُ أنهم العلماء العدول الذين هداهم الله للإسلام؛ كعبد الله بن سلام، ولا يبعُد أن يكون المقصود أعمَّ من ذلك، ليشمل كلَّ علماء بني إسرائيل الذين تتوافق معلوماتهم مع ما ورد في القرآن من أخبار الأمم السابقة، وكذلك بعض الذين تحاوروا مع المسلمين في بعض المسائل فأبانوا عما يشهد لهذا القرآن، سواء آمنوا به أم لم يؤمنوا، ومن يتتبَّع اليوم أقوالَ بعض المستشرقين يجِد هذا النموذج واضحًا، والله أعلم.
﴿وَلَوۡ نَزَّلۡنَـٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِینَ ﴿١٩٨﴾ فَقَرَأَهُۥ عَلَیۡهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ مُؤۡمِنِینَ﴾ فهم لم يؤمنوا بالرسول الذي يعرفونه ويعرفون نسبه وصدقه وأمانته، ويفهمون لغته وفصاحته، فكيف سيؤمنون لو جاءهم نبي أعجمي لا يعرفون نسبه، ولا يفهمون لغته؟ والمعنى: أنَّهم مُعانِدون ومُكابِرون لا غير.
﴿كَذَ ٰلِكَ سَلَكۡنَـٰهُ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ﴾ أي: سلَكنا التكذيب في قلوبهم بسبب عنادهم وإجرامهم، فلا يُرجَى إيمانهم، والكلام عن فِئةٍ من المشركين وليس عن جميعِهم؛ إذ إنَّ كثيرًا منهم قد تابَ وأنابَ، وحسُنَ إسلامُه.
﴿هَلۡ نَحۡنُ مُنظَرُونَ﴾ يتمنَّون تأخير العذاب عنهم.
﴿وَمَاۤ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡیَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ﴾ أي: إلا بعد أنْ بلَغَتهم الدعوةُ الصحيحةُ، وقامَت عليهم الحُجَّة.
﴿وَمَا كُنَّا ظَـٰلِمِینَ﴾ تأكيدٌ لعدل الله المطلق، ودفعٌ لشبهة الإكراه، وسلب الاختيار عند قوله:
﴿كَذَ ٰلِكَ سَلَكۡنَـٰهُ فِی قُلُوبِ ٱلۡمُجۡرِمِینَ ﴿٢٠٠﴾ لَا یُؤۡمِنُونَ بِهِۦ حَتَّىٰ یَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِیمَ﴾.
﴿إِنَّهُمۡ عَنِ ٱلسَّمۡعِ لَمَعۡزُولُونَ﴾ فهم لا يسمعون الوحي، ولا يعلمون الغيب، ولا يتَّصِلون بخبر السماء. وفي هذا تنزيهٌ للقرآن عن كلِّ شبهة من هذا القبيل، وفيه أيضًا تصحيح التصورات الخاطئة عن عالم
الجن والشيطان، والتي تصِل إلى حدِّ الخرافة وإن تلبَّسَت بلَبُوس الدين.
﴿وَٱخۡفِضۡ جَنَاحَكَ﴾ كناية عن التواضع، والجناح للطائر، ونسبته للإنسان على سبيل المجاز المحض، وفيه جواز استعمال المجاز بإطلاق، سواء اتَّصَف به على الحقيقة قبل المجاز أم لا.
﴿وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱلۡعَزِیزِ ٱلرَّحِیمِ﴾ فيه إشارة أن الله بعزته سيُهلِك الكافرين المعاندين، كما أهلك فرعون، وقوم نوحٍ، وعادًا، وثمود، وقوم لوطٍ، وأصحاب الأيكة، وأنه تعالى برحمته سينصر المؤمنين ويُنجِّيهم، كما نجَّى موسى وإبراهيم ونوحًا وهودًا وصالحًا ولوطًا وشُعيبًا، وهذا سرُّ تكرار هذه الآية العزيزة الرحيمة.
﴿ٱلَّذِی یَرَىٰكَ حِینَ تَقُومُ ﴿٢١٨﴾ وَتَقَلُّبَكَ فِی ٱلسَّـٰجِدِینَ﴾ بمعنى أنَّ الله معك برعايته ونُصرته وتأييده في جميع أحوالك؛ قائمًا في جوف الليل تُناجِيه وحدك، أو بوجودك مع أصحابك المُصلِّين الراكِعِين الساجِدِين، والتقلُّب: التردُّد والذهابُ والمجيءُ، والمقصودُ صُحبتهم، ومُشاركتهم في أحوالهم، وشؤون دينهم ودنياهم.
﴿أَفَّاكٍ﴾ كثير الكذب.
﴿یُلۡقُونَ ٱلسَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَـٰذِبُونَ﴾ صورة من صور الكذب والدجل، فهؤلاء الكهنة والدجَّالون يتظاهرون كأنهم يتلقَّون الخبر من السماء، فيصغون أشدَّ الإصغاء، في حركةٍ تخدع السذَّج والبُلَهاء، ثم يتكلَّمُون بعد هذا الإصغاء والانتظار بما يشغل بالَ هؤلاء المساكين، فيُصدِّقونهم بما يقولون بلا بيِّنةٍ ولا شهودٍ.
﴿وَٱلشُّعَرَاۤءُ یَتَّبِعُهُمُ ٱلۡغَاوُۥنَ﴾ هم شُعراء الفتنة والإفساد، وهم مهوى قلوب الغاوين والفاسدين.
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِی كُلِّ وَادࣲ یَهِیمُونَ﴾ فيمدَحون بالباطل، ويهجُون بالباطل، ويُفاخرون بالباطل، يبحَثون عن الشهرة والمال من أين جاء؛ ولذلك فهم في كلِّ وادٍ يهيمون، أي: في كلِّ طريقٍ يجدون فيه شهوتهم وبغيتهم.
﴿وَأَنَّهُمۡ یَقُولُونَ مَا لَا یَفۡعَلُونَ﴾ فالكذب دأبهم، والفخر الأجوف دَيدَنهم.
﴿إِلَّا ٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ﴾ استثناء يُخرِجُ
الشعراء المؤمنين الذين وظَّفوا شِعرَهم لخدمة الحقِّ وأهله، وانتَفَضوا ضدَّ الظلم والظالمين، وذلك قوله تعالى:
﴿وَٱنتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَیَعۡلَمُ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوۤاْ أَیَّ مُنقَلَبࣲ یَنقَلِبُونَ﴾.