سورة فاطر تفسير مجالس النور الآية 18

وَلَا تَزِرُ وَازِرَةࣱ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا یُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَیۡءࣱ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۤۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِینَ یَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَیۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا یَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِیرُ ﴿١٨﴾

تفسير مجالس النور سورة فاطر

المجلس الخامس والتسعون بعد المائة: معايير التمايز والتفاضل بين الناس


من الآية (18- 45)


بعد بيانه لطريق الإيمان ومعالمه وآثاره في الكون والحياة، شرَعَ القرآن في وضع المعايير التي ينبغي أن يتمايز بها الناس، خاصَّةً أنّ فلسفة الخلق الكليَّة في الإسلام تقوم على أساس الاختبار والتمايز ﴿ٱلَّذِی خَلَقَ ٱلۡمَوۡتَ وَٱلۡحَیَوٰةَ لِیَبۡلُوَكُمۡ أَیُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰاۚ﴾ [الملك: 2]، وبكلِّ تأكيدٍ فإن ميدان الاختبار هذا وما ينتج عنه إنّما هو ميدان العمل، وهو الميدان الذي يسَع جميع الناس أن يتباروا فيه ويتنافسوا، ويمكن تلخيص ما أورَدَته هذه الآيات في هذا المجال بالنقاط الآتية:
أولًا: يؤكِّدُ القرآن أنَّ كلَّ إنسان يتحمل مسؤوليَّة عمله خيرًا كان أو شرًّا ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةࣱ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا یُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَیۡءࣱ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۤۗ﴾، ﴿وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا یَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ﴾، ﴿فَمَن كَفَرَ فَعَلَیۡهِ كُفۡرُهُۥ ۖ﴾، ﴿وَلَا یَحِیقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّیِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ﴾.
إنَّ كلَّ هذه التأكيدات في سورةٍ واحدةٍ وفي مقطعٍ واحدٍ من آياتها دليلٌ على خطورة هذه القاعدة، ومدى حرص القرآن الكريم على ترسيخها في عقول الناس ونفوسهم، فهي مع ما فيها من تأكيدٍ لمبدأ العدل الإلهي، فيها أيضًا تحفيزُ الإنسان للمُبادرة إلى العمل، والمنافسة في الخيرات، وتشجيع روح المراجعة والتوبة والإنابة، واستشعار جدّية الأمر وخطورته.
ثانيًا: يضع القرآن صورًا مُتقابِلة يفرز من خلالها صورةَ الخيرِ والحقِّ والهُدى عن صورة الشرِّ والباطل والضلالة؛ ليكون الناسُ كلُّ الناس على بيِّنةٍ مِن ذلك ﴿وَمَا یَسۡتَوِی ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِیرُ﴾.
وهذا هو الفرز الأول: فرز بين الجاهل الذي يتخبَّط في جهله تخبُّط الأعمى، وبين اليقِظ المُتنبِّه الذي يمشي بوعيٍ وبصيرةٍ، ويلزَم من هذا إلزام الإنسان بالنظر والتفكُّر والتبصُّر، فالجهل بالنسبة للمكلَّف القادر على التعلُّم ليس عذرًا.
ثم يفرز القرآن الطرق والمناهج ذاتها: ﴿وَلَا ٱلظُّلُمَـٰتُ وَلَا ٱلنُّورُ﴾ فهناك الديانات المحرَّفة البيِّنة التحريف، وهناك الخرافات الباطلة البيِّنة البطلان، وهناك المبادئ الهدَّامة التي تهدم العقل والسلوك، وتدعو إلى اتِّباع الشهوات والمُنكَرَات، ويُقابل هذا كلّه منهج الحقِّ والعدل والنور، ومن مهام المُكلَّف أيضًا: أن يُميِّز هذا عن تلك، وأن لا يخلِط بين الحقِّ والباطل، ولا بين النور والظلمة.
ثم يفرز القرآن بين واقع الناس الذين يعيشون في حمأة الجاهليَّة وجَورها وظلمها، وبين المؤمنين الذين يتفيَّؤون ظلال الإسلام وأمنه وعدله ﴿وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلۡحَرُورُ﴾ ثم يعود إلى الإنسان نفسه ليفرز بين الإنسان الحيِّ القادر على التمييز بين هذه الأشياء، وبين ذلك الآخر الذي عطَّلَ في نفسه كلَّ أدوات الاستبصار والتفكُّر، فأصبحَ كالميِّت الذي لا يَعِي، ولا يسمع، ولا يرى ﴿وَمَا یَسۡتَوِی ٱلۡأَحۡیَاۤءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَ ٰ⁠تُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُسۡمِعُ مَن یَشَاۤءُۖ وَمَاۤ أَنتَ بِمُسۡمِعࣲ مَّن فِی ٱلۡقُبُورِ﴾.
ثالثًا: يُبيِّن القرآن أنّ هذا التفاوُت والاختلاف بين الناس إنَّما هو سنَّةٌ مِن سُنن الله في هذا الخلق ﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَ ٰ⁠تࣲ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَ ٰ⁠نُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِیضࣱ وَحُمۡرࣱ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ ٰ⁠نُهَا وَغَرَابِیبُ سُودࣱ ﴿٢٧﴾ وَمِنَ ٱلنَّاسِ وَٱلدَّوَاۤبِّ وَٱلۡأَنۡعَـٰمِ مُخۡتَلِفٌ أَلۡوَ ٰ⁠نُهُۥ كَذَ ٰ⁠لِكَۗ﴾ ولكن هذا التفاوُت ليس سواء؛ فهناك التفاوُت القَدَري الذي لا يملك الإنسان فيه تغييرًا؛ كاختِلاف الناس في أجناسهم وأنسابهم وألوانهم، وهناك التفاوُت التكليفي الذي يتحمَّل فيه الإنسان مسؤوليَّة خياره وموقفه وعمله، وهذا هو أساس الاختبار والتمايز.
رابعًا: يؤكِّد القرآن أنّ الله لا يُحاسِب الناس إلَّا بعد بيان الحقِّ لهم وإقامة الحجة عليهم ﴿إِنَّـاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِیهَا نَذِیرࣱ ﴿٢٤﴾ وَإِن یُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كَذَّبَ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُنِیرِ ﴿٢٥﴾ ثُمَّ أَخَذۡتُ ٱلَّذِینَ كَفَرُواْۖ فَكَیۡفَ كَانَ نَكِیرِ﴾.
خامسًا: يُنبِّه القرآن إلى أنَّ العلم هو طريق الإيمان والخشية والتواضع والعمل الصالح ﴿إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُاْۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ ﴿٢٨﴾ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَتۡلُونَ كِتَـٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَـٰهُمۡ سِرࣰّا وَعَلَانِیَةࣰ یَرۡجُونَ تِجَـٰرَةࣰ لَّن تَبُورَ ﴿٢٩﴾ لِیُوَفِّیَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۤۚ إِنَّهُۥ غَفُورࣱ شَكُورࣱ﴾.
كما أن التكبُّر هو طريق الضلالة والتِّيه والعَمَى ﴿وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ لَىِٕن جَاۤءَهُمۡ نَذِیرࣱ لَّیَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُمۡ نَذِیرࣱ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا ﴿٤٢﴾ ٱسۡتِكۡبَارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَمَكۡرَ ٱلسَّیِّىِٕۚ وَلَا یَحِیقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّیِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ فَهَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِینَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِیلًا﴾.
سادسًا: يُبيِّن القرآن تفاوُت المؤمنين أنفسهم في قوَّة إيمانهم، ومستوى التِزامهم بطاعة ربِّهم ﴿ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَـٰبَ ٱلَّذِینَ ٱصۡطَفَیۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِمࣱ لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدࣱ وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِیرُ﴾ وهذا ميدانٌ آخر، وفرزٌ آخر، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
سابعًا: يُبيِّن القرآن أنَّ نتيجة الإيمان والهدى والعمل الصالح ﴿جَنَّـٰتُ عَدۡنࣲ یَدۡخُلُونَهَا یُحَلَّوۡنَ فِیهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبࣲ وَلُؤۡلُؤࣰاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِیهَا حَرِیرࣱ ﴿٣٣﴾ وَقَالُواْ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِیۤ أَذۡهَبَ عَنَّا ٱلۡحَزَنَۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورࣱ شَكُورٌ ﴿٣٤﴾ ٱلَّذِیۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ مِن فَضۡلِهِۦ لَا یَمَسُّنَا فِیهَا نَصَبࣱ وَلَا یَمَسُّنَا فِیهَا لُغُوبࣱ﴾.
أمَّا أولئك الأشقياء التُّعساء ﴿وَٱلَّذِینَ كَفَرُواْ لَهُمۡ نَارُ جَهَنَّمَ لَا یُقۡضَىٰ عَلَیۡهِمۡ فَیَمُوتُواْ وَلَا یُخَفَّفُ عَنۡهُم مِّنۡ عَذَابِهَاۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِی كُلَّ كَفُورࣲ ﴿٣٦﴾ وَهُمۡ یَصۡطَرِخُونَ فِیهَا رَبَّنَاۤ أَخۡرِجۡنَا نَعۡمَلۡ صَـٰلِحًا غَیۡرَ ٱلَّذِی كُنَّا نَعۡمَلُۚ أَوَلَمۡ نُعَمِّرۡكُم مَّا یَتَذَكَّرُ فِیهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاۤءَكُمُ ٱلنَّذِیرُۖ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِن نَّصِیرٍ﴾.
ثامنًا: يُؤكِّد القرآن أنَّ علمَ الله شاملٌ ومحيطٌ بالناس وأعمالهم، وما تُكِنُّه ضمائرهم ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَـٰلِمُ غَیۡبِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ عَلِیمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾ وتأكيدُ هذه الصفة الجليلة للمَولَى الجليل ـ في هذا المقام له دلالته وأثره البالغ في تكوين الرقابة الذاتية للمؤمن، والاطمِئنان بأنَّ كلَّ ما يُقدِّمه الإنسان مجزِيٌّ به صغيرًا كان أو كبيرًا، ولا يظلم ربُّك أحدًا.
تاسعًا: يختتم القرآن الكريم هذه السورة مُذكِّرًا بالأمَد المُتاح للإنسان؛ كي يُفكِّر ويُحاسِب نفسَه ويُراجِعَها، ويرى موقِعَه بين هذه السُّبُل، ووزنه في هذه المعايير، فالله لا يُعجِّلُ بالعقوبة، وإنَّما يُمهِلُ ليتذكَّر من يتذكَّر، ويرجِع من يرجِع ﴿وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَاۤبـَّةࣲ وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِیرَۢا﴾.


﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةࣱ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ﴾ أي: لا تحمِلُ نفسٌ حِملَ غيرها.
﴿وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ﴾ ذَكَرَ الصفة وحذف الموصوف، أي: نفس مُثقَلة ومُحمَّلة بالذنوب.
﴿إِلَىٰ حِمۡلِهَا﴾ تطلب من يُعِينها ويحمل شيئًا من ذنوبها.
﴿لَا یُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَیۡءࣱ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰۤۗ﴾ أي: ولو كان من استَنجدت به قريبًا لها.
﴿وَلَا ٱلظِّلُّ وَلَا ٱلۡحَرُورُ﴾ تشبيه للفارق بين حالَتَي النعمة والشقاء.
﴿وَمَاۤ أَنتَ بِمُسۡمِعࣲ مَّن فِی ٱلۡقُبُورِ﴾ شبَّهَ المشركين المُعانِدين بالموتى الذين لا يسمعون.
﴿وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِیهَا نَذِیرࣱ﴾ أي: ليس هناك أُمّة في البشر إلا جاءها رسولٌ من الله، وإن لم يذكر القرآن لنا أسماءهم وأخبارهم، وفي هذا ردٌّ على من يظُنُّ أنّ الرُّسُل كلّهم كانوا في منطقتنا هذه.
﴿جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَبِٱلزُّبُرِ وَبِٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُنِیرِ﴾ المقصود بكلِّ هذا الكتب السماوية السابقة؛ التوراة والزبور والإنجيل والصحف، فهي البيِّنات والزُّبُر والكتاب المنير، فهذه صفاتٌ مشتركةٌ لموصوف متعدِّد، وفيها من تكرار المعنى وتأكيده ما لا يخفى.
﴿فَكَیۡفَ كَانَ نَكِیرِ﴾ أي: فكيف كان عذابي لهم، وقد ذكر النَّكِير بمعنى إنكاره تعالى لشِركهم وظُلمهم، وأراد اللازم له وهو العذاب، والله أعلم.
﴿وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِیضࣱ وَحُمۡرࣱ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَ ٰ⁠نُهَا وَغَرَابِیبُ سُودࣱ﴾ ذكر ما يُميِّز الجبال بعضها عن بعض في لون صخورها وعلاماتها وطرقها، فمنها الأبيض والأحمر والأسود، والغرابيب: هي الطرق السود، وأصلها من الغراب، ثم أكدَّها بقوله: ﴿سُودࣱ﴾، والله أعلم.
﴿إِنَّمَا یَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَـٰۤؤُاْۗ﴾ أي: إنّ العلماء أكثر خشية من غيرهم؛ لمعرفتهم بمقام ربِّهم، فالعلم الحقُّ يُوصِل إلى الإيمان الحقِّ، ويُورِث التقوى والخشية من الله.
وهنا إشارة مأخوذة من السياق: أن النظر في الكون وما فيه من تنوُّع واختلاف هو علمٌ يُوصِل إلى هذا الإيمان، ويُورِث تلك التقوى.
﴿تِجَـٰرَةࣰ لَّن تَبُورَ﴾ تجارة رابِحة لن تخسر.
﴿لِیُوَفِّیَهُمۡ أُجُورَهُمۡ﴾ كما وعدهم.
﴿وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۤۚ﴾ وليس لفضل الله حدٌّ، ولا لكرمه نهاية.
﴿مُصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیۡهِۗ﴾ بمعنى أنَّ القرآن جاء مُصدِّقًا للكتب السابقة.
﴿ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَـٰبَ ٱلَّذِینَ ٱصۡطَفَیۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ﴾ هم أمَّة محمد الذين اصطفاهم الله لحمل هذا القرآن.
﴿فَمِنۡهُمۡ ظَالِمࣱ لِّنَفۡسِهِۦ﴾ أي: من المؤمنين الذين آمنوا بالقرآن من يظلم نفسه بارتكاب المعاصي، فالمؤمنون ليسوا كلُّهم سواء، هكذا هي طبيعة البشر، وميدان التنافس والسبق مفتوحٌ للجميع.
﴿وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدࣱ﴾ أي: مُقِلٌّ مِن المعاصي واقِفٌ عند حدود الله، وهذه مرتبةٌ أعلى مما قبلها.
﴿وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَیۡرَ ٰ⁠تِ﴾ وهذه هي المرتبة العليا، وهؤلاء هم السابِقُون السابِقُون، والمُقرَّبُون عند الله.
﴿جَنَّـٰتُ عَدۡنࣲ یَدۡخُلُونَهَا﴾الواو هنا واو جمع، وقد جمعت الأوصاف الثلاثة الماضية بأنَّ لهم الجَنَّة، مع تفاوُت في الدرجات، ومِن ثَمَّ قِيل بأنَّ هذه الواو هي أغلى واو جمع في القرآن الكريم .
﴿دَارَ ٱلۡمُقَامَةِ﴾ دار الخلود، وهي الجنَّة.
﴿لَا یَمَسُّنَا فِیهَا نَصَبࣱ﴾ تعَب.
﴿وَلَا یَمَسُّنَا فِیهَا لُغُوبࣱ﴾ مشقَّة.
﴿وَهُمۡ یَصۡطَرِخُونَ فِیهَا﴾ أي: يستغيثون ويطلبون النجدة.
﴿هُوَ ٱلَّذِی جَعَلَكُمۡ خَلَـٰۤىِٕفَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ﴾ أجيالًا تعقب أجيالًا.
﴿إِلَّا مَقۡتࣰاۖ﴾ إلا بُغضًا واحتِقارًا.
﴿فَمَن كَفَرَ فَعَلَیۡهِ كُفۡرُهُۥ ۖ﴾ أي: يتحمل عاقبة كفره.
﴿أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكࣱ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ﴾ أي: هل لهم شراكة مع الله في خلقها أو ملكها وحقّ التصرف فيها؟
﴿۞ إِنَّ ٱللَّهَ یُمۡسِكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضَ أَن تَزُولَاۚ﴾ حيث وضَعَ لهما هذا النظام والناموس الكوني الذي لا يخرجان عنه.
﴿وَلَىِٕن زَالَتَاۤ إِنۡ أَمۡسَكَهُمَا مِنۡ أَحَدࣲ مِّنۢ بَعۡدِهِۦۤۚ﴾ إِنْ هنا نافية بمعنى: ما، أي: لو زالتا لما أمسَكَهما أحدٌ غير الله.
﴿جَهۡدَ أَیۡمَـٰنِهِمۡ﴾ أي: بأيمانهم المُغلَّظة والمُؤكَّدة.
﴿لَىِٕن جَاۤءَهُمۡ نَذِیرࣱ لَّیَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ﴾ هذا قولُ المشركين؛ حيث كانوا يُقسِمون بالأيمان المُشدَّدة أنّه لو بعَثَ الله فيهم رسولًا لتمسَّكُوا به، ولكانوا أهدَى من اليهود الذين كانوا يتعالَون على العرب بما معهم مِن علمٍ وكتابٍ.
﴿ٱسۡتِكۡبَارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ بمعنى أنّ الذي صدَّهم عن الوفاء بما تعاهَدُوا عليه وأقسَمُوا به إنَّما هو الكِبر ومكر السوء.
﴿وَلَا یَحِیقُ ٱلۡمَكۡرُ ٱلسَّیِّئُ إِلَّا بِأَهۡلِهِۦۚ﴾ أي: لا ينزل ولا يُحِيط إلَّا بهم.
﴿فَهَلۡ یَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِینَۚ﴾ أي: العذاب والهلاك كما أهلَكَ الله الأُمَم السابقة.
﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِیلࣰاۖ﴾ بأن يُغيِّر فيها فيجعلها بحقِّهم نعمةً بدل النقمة، بعد أن استحقوا النقمة.
﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِیلًا﴾ بأن يُحوِّل العذابَ عنهم إلى غيرهم.
﴿أَوَلَمۡ یَسِیرُواْ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَیَنظُرُواْ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰۚ﴾ فيه أنَّ القوَّة وحدها ليست سَبَبًا في الأفضليَّة، ولا ضامِنة للبقاء؛ فالأقوياء لما ظلموا أخذهم الله، هكذا كان فرعون، وكانت عاد، وكانت ثمود.
﴿وَلَوۡ یُؤَاخِذُ ٱللَّهُ ٱلنَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهۡرِهَا مِن دَاۤبـَّةࣲ﴾ فالله لا يُعجِّل بالعقوبة، وإنَّما يُمهِل إلى أجلٍ معلومٍ ومُقدَّرٍ لعلَّ تائِبًا يتُوب، أو راجِعًا يرجِع ﴿وَلَـٰكِن یُؤَخِّرُهُمۡ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۖ فَإِذَا جَاۤءَ أَجَلُهُمۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِۦ بَصِیرَۢا﴾.