﴿وَسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینٍ﴾ وبرهانٌ ظاهرٌ.
﴿وَٱسۡتَحۡیُواْ نِسَاۤءَهُمۡۚ﴾ لا تقتلوهنَّ ليبقَين في الخدمة.
﴿وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِیۤ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ﴾ ولم يكن هناك من يجرؤ على منعه، وإنما هو أسلوب يقصد به الإعلان عن الرغبة في الفعل والتوجُّه إليه، ويقرب من هذا قوله تعالى في سورة المدّثر:
﴿ذَرۡنِی وَمَنۡ خَلَقۡتُ وَحِیدࣰا ﴿١١﴾ وَجَعَلۡتُ لَهُۥ مَالࣰا مَّمۡدُودࣰا﴾ [المدثر: 11، 12]، بمعنى: كِلْ أمرَه لِي.
﴿وَلۡیَدۡعُ رَبَّهُۥۤۖ﴾ يقولها على سبيل السخرية والتحدِّي.
﴿إِنِّیۤ أَخَافُ أَن یُبَدِّلَ دِینَكُمۡ﴾ هو اعترافٌ ضِمنيٌّ بقُدرة موسى
عليه السلام على التأثير في الناس وتغيير آرائهم، وهو اعترافٌ ضِمنيٌّ أيضًا بعدم صِدقِه في ادِّعائه الألوهيَّة، فكيف يكون إلهًا ويخاف من موسى أن يُغيِّر عليه قومه.
والحقيقةُ أن فرعون كان يخاف على عرشه أكثر من خوفه على قومه، لكنَّها لغة الطواغيت دائما في التلبيس على الناس واستدرار عطفهم وتأييدهم.
﴿أَوۡ أَن یُظۡهِرَ فِی ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ﴾ وهذه فرعونيَّةٌ أُخرى، فهو لا يرى في ادِّعائه الربوبيَّة فسادًا ولا بتقتيل الناس واستِعبادهم، ولا بتفريقِهم إلى شِيَع وأحزاب مُتنافِرة مُتخاصِمة، ولا ذلك العَبَث بثروات البلاد وتسخيرها في شهواته وملَذَّاته، وإنما الفساد في كل دعوة تُخالِفُه، هكذا هو أيضًا منطق الفراعنة في كل زمان ومكان.
﴿وَقَالَ مُوسَىٰۤ إِنِّی عُذۡتُ بِرَبِّی وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرࣲ لَّا یُؤۡمِنُ بِیَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ﴾ أي: إني أحتَمِي بالله وألُوذُ به من كيد فرعون، وكان هذا هو ردّ موسى على تهديد فرعون وقوله:
﴿ذَرُونِیۤ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡیَدۡعُ رَبَّهُۥۤۖ﴾ وفيه أن التكبُّر والغفلة عن الآخرة من أقوى أسباب ارتكاب الجرائم وانتهاك الحرمات.
﴿وَقَالَ رَجُلࣱ مُّؤۡمِنࣱ مِّنۡ ءَالِ فِرۡعَوۡنَ یَكۡتُمُ إِیمَـٰنَهُۥۤ﴾ لم يُسمِّه لنا القرآن، ولم يرِد اسمه في سنَّة صحيحة، فالأَولَى التوقُّف عند النص، وعدم إضاعة الجهد فيما لا طائل من ورائه، والذي يبدو من خلال القصة أنه كان من أعيان مجلس فرعون ومن المقرَّبين إليه.
﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ مُسۡرِفࣱ كَذَّابࣱ﴾ يعني أن الله لن يَدَع من بلَغَت به الجرأة أن يكذب على الله مُدَّعيًا أنه رسولٌ منه، والإسراف هنا: مجاوزة الحد المعهود في الكذب.
ومُجمل المعنى أنه يقول لقومه: إنَّ موسى إن كان صادقًا عن الله فإنه سيُصيبكم بسببه خيرٌ كثيرٌ، وإن كان مُسرفًا في كذبه على الله فإن الله سيأخذه بعقابٍ، أو يفضحه أمام الناس فلا يهديه إلى ما يُريدُ من مطمَعٍ أو منصِبٍ.
﴿ظَـٰهِرِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ عالِين فيها بمُلككم وسلطانكم.
﴿مَاۤ أُرِیكُمۡ إِلَّا مَاۤ أَرَىٰ﴾ أي: لا أسمح لكم أن ترَوا رأيًا غير رأيي، فأنا الذي أُريكم ما أشاء.
﴿وَقَالَ ٱلَّذِیۤ ءَامَنَ یَـٰقَوۡمِ إِنِّیۤ أَخَافُ عَلَیۡكُم مِّثۡلَ یَوۡمِ ٱلۡأَحۡزَابِ ﴿٣٠﴾ مِثۡلَ دَأۡبِ قَوۡمِ نُوحࣲ وَعَادࣲ وَثَمُودَ﴾ دليلٌ على أن أهل مصر كانوا على درايةٍ بتلك الأقوام وما أصابها، والله أعلم. وقوله:
﴿یَوۡمِ ٱلۡأَحۡزَابِ﴾ أراد جنسَ اليوم وليس يومًا مُحدَّدًا؛ إذ إنَّهم لم يُهلَكُوا بيومٍ واحدٍ، بل بأيامٍ مُختلفةٍ.
﴿وَمَا ٱللَّهُ یُرِیدُ ظُلۡمࣰا لِّلۡعِبَادِ﴾ تأكيدٌ لعقيدة العدل الإلهي؛ فالله سبحانه مُنزَّهٌ عن الظُّلم، وإنما المكلَّف هو من يظلم نفسه.
﴿یَوۡمَ ٱلتَّنَادِ﴾ يوم القيامة، سُمِّي بذلك؛ لأن الخلائق تتنادَى فيه، فمِن مُستشفِعٍ، ومِن لائِمٍ، ومِن مُستغِيثٍ، وفيه مُناداةُ المؤمنين للكافرين توبيخًا وتقريعًا، ومُناداةُ الكافرين للمؤمنين، ومُناداة المؤمنين بعضهم بعضًا، ومُناداة الكافرين بعضهم بعضًا، ومُناداة الملائكة لهؤلاء وهؤلاء كُلٍّ بما يُناسِبُه، والله أعلم.
﴿یَوۡمَ تُوَلُّونَ مُدۡبِرِینَ مَا لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِنۡ عَاصِمࣲۗ﴾ أي: يوم القيامة؛ حيث تُحاوِلُون الفرارَ، لكن الفرار لا ينفَعُكم، فجهنَّم مُحيطةٌ بالكافرين، أعاذنا الله والمسلمين منها.
﴿وَمَن یُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادࣲ﴾ مُفسَّرٌ بقوله تعالى المُتقدِّم:
﴿وَمَا ٱللَّهُ یُرِیدُ ظُلۡمࣰا لِّلۡعِبَادِ﴾ فالله سبحانه إنما يُضلُّ من يطلب الضلالة ويسعى لها، ويهدي كذلك من يطلب الهداية ويسعى لها.
﴿وَلَقَدۡ جَاۤءَكُمۡ یُوسُفُ مِن قَبۡلُ﴾ أي: من قبل موسى، وهذا تذكيرٌ حكيمٌ لطيفٌ، ففضل يوسف على أهل مصر لم يُنسَ بعد.
﴿فَمَا زِلۡتُمۡ فِی شَكࣲّ مِّمَّا جَاۤءَكُم بِهِۦۖ﴾ من الدين.
﴿حَتَّىٰۤ إِذَا هَلَكَ قُلۡتُمۡ لَن یَبۡعَثَ ٱللَّهُ مِنۢ بَعۡدِهِۦ رَسُولࣰاۚ﴾ بمعنى أن آباءكم كانوا على شك من دين يوسف رغم فضله عليهم والبيِّنات التي جاءهم بها، لكنهم حينما توفَّاه الله بالَغُوا في مدحه، وقالوا: لن يبعث الله رسولًا بعده، كأنهم يَعنُون أنه لن يكون في الأرض مثله، وهذه عادةٌ بشريةٌ معروفةٌ؛ فحينما يكون المرء حيًّا بينهم ينتَابهم شعور الحسد والقلق على بعض مصالحهم، فإذا مات ظهَرَ ما كانوا يُخفُونه من إعجابٍ به واعترافٍ بفضله؛ ولذلك ترى الجنائِزَ في كثيرٍ من الأحيان موسمًا للمديح حتى ممن كان مُخالفًا للميت أو مُخاصمًا له.
﴿ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ سُلۡطَـٰنٍ﴾ بغير علم ولا برهان.
﴿كَذَ ٰلِكَ یَطۡبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلۡبِ مُتَكَبِّرࣲ جَبَّارࣲ﴾ تأكيد أن التكبر سبب أساس للضلالة.
﴿وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ یَـٰهَـٰمَـٰنُ ٱبۡنِ لِی صَرۡحࣰا﴾ وهامان كان وزيرًا لفرعون، والصَّرحُ: البناء العالي.
﴿لَّعَلِّیۤ أَبۡلُغُ ٱلۡأَسۡبَـٰبَ ﴿٣٦﴾ أَسۡبَـٰبَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰۤ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ﴾ أي: لعلَّه يصِلُ إلى أبواب السماوات وطُرقها فيطَّلِع إلى إله موسى! وهذه حماقةٌ ما بعدها حماقة، وجهالةٌ ما بعدها جهالة، إلا إذا كان يقصِدُ بذلك إلهاءَ الناس وإشغَالَهم عن التفكير بدعوةِ موسى
عليه السلام، وهذا أمرٌ مُعتادٌ عند الطواغيت.
﴿إِنَّمَا هَـٰذِهِ ٱلۡحَیَوٰةُ ٱلدُّنۡیَا مَتَـٰعࣱ﴾ أي تمتَّعون فيها على قدر آجالكم ثم ترحلون عنها إلى دار القرار.
﴿مَنۡ عَمِلَ سَیِّئَةࣰ فَلَا یُجۡزَىٰۤ إِلَّا مِثۡلَهَاۖ﴾ هذا بعدله سبحانه.
﴿وَمَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُوْلَــٰۤىِٕكَ یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ یُرۡزَقُونَ فِیهَا بِغَیۡرِ حِسَابࣲ﴾ وهذا من فضله ورحمته وسعة جوده وكرمه؛ إذ جعل جزاء العمل الصالح من غير حساب، أي: من غير حدٍّ ولا عدٍّ.
ونصّ هنا على الأنثى مع الذكر - مع أنها داخلة أصلًا في كل خطاب -؛ دفعًا لتوهُّم حرمانها من هذا الفضل، وتعريضًا بالظلم الواقع عليها من قِبَل المشركين.
﴿لَا جَرَمَ﴾ لا محالة، وهي صيغةٌ من صِيَغ التوكيد.
﴿لَیۡسَ لَهُۥ دَعۡوَةࣱ فِی ٱلدُّنۡیَا وَلَا فِی ٱلۡأَخِرَةِ﴾ أي: ليس لآلهتكم المُزيَّفة دعوةٌ مُستجابةٌ تنتَفِعُون بها لا في الدنيا، ولا في الآخرة.
﴿فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَیِّـَٔاتِ مَا مَكَرُواْۖ﴾ لم يذكر نوع المكر الذي مكَرُوه به، لكنَّ الظاهر أن الله نجَّاه منهم ومِن كفرهم، ومن العذاب الذي حاق بهم.
﴿وَحَاقَ بِـَٔالِ فِرۡعَوۡنَ سُوۤءُ ٱلۡعَذَابِ﴾ أي: نزل العذاب عليهم وأحاط بهم.
﴿ٱلنَّارُ یُعۡرَضُونَ عَلَیۡهَا غُدُوࣰّا وَعَشِیࣰّاۚ وَیَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوۤاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ﴾ أي: يرَون مقاعِدَهم من النار صباحًا ومساءً وهم في عالم البرزخ قبل البعث، فإذا قامَت الساعةُ أُدخِلُوا في النار، وهذا دليلٌ على الحياة البرزخية التي هي بين الموت والبعث، وهي من الأخبار الغيبية التي نقف فيها مع النص، ولا مجال لإدراك كُنهها وحقيقتها، والقصد من الإخبار بها معلوم، وهو قصد عملي يدفع المؤمن للحيطة والحذر، ومراقبة الله في الصغيرة والكبيرة.
﴿وَإِذۡ یَتَحَاۤجُّونَ فِی ٱلنَّارِ فَیَقُولُ ٱلضُّعَفَـٰۤؤُاْ لِلَّذِینَ ٱسۡتَكۡبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمۡ تَبَعࣰا فَهَلۡ أَنتُم مُّغۡنُونَ عَنَّا نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلنَّارِ﴾ وهي مُحاججة لغرض التلاوُم؛ إذ لا ينبني عليها شيء، والضمير يعودُ إلى أقرب مذكور، وهم آل فرعون، لكن التلاوُم هذا ليس خاصًّا بهم، بل هو عامٌّ بين المستضعفين والمستكبرين من أهل النار، والعياذ بالله.
﴿وَقَالَ ٱلَّذِینَ فِی ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدۡعُواْ رَبَّكُمۡ یُخَفِّفۡ عَنَّا یَوۡمࣰا مِّنَ ٱلۡعَذَابِ﴾ هذا غاية اليأس؛ إذ يستشفعون بملائكة العذاب لعل الله يخفف عنهم يومًا واحدًا من العذاب، فلم يعودوا يطمَعون بأكثر من هذا.
﴿قَالُواْ فَٱدۡعُواْۗ وَمَا دُعَـٰۤؤُاْ ٱلۡكَـٰفِرِینَ إِلَّا فِی ضَلَـٰلٍ﴾ هذا ردُّ خزَنة النار على استِشفاع الكافرين بهم، بمعنى أن استِشفاعهم هذا باطل ولا ينفعهم بشيء.
﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِینَ ءَامَنُواْ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَیَوۡمَ یَقُومُ ٱلۡأَشۡهَـٰدُ﴾ هذا وعدٌ إلهيٌّ، أما نصرهم في الآخرة - وهو اليوم الذي يقوم فيه الأشهاد - فظاهرٌ، وأما نصرُ الرسل
عليهم السلام في الدنيا فظاهرٌ أيضًا بنجاتهم، وإهلاك أعدائهم، أما المؤمنون فالوعدُ بنصرهم الدنيوي قائِمٌ على شروطٍ، كمثل قوله تعالى:
﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ یَنصُرۡكُمۡ﴾ [محمد: 7]، وقوله:
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ﴾ [الأنفال: 60]، وقوله:
﴿وَلَا تَنَـٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ﴾ [الأنفال: 46]، فإذا قصَّرَ المُؤمنون في هذه الشروط، تخلَّفَ عنهم النصرُ، وربما يكون ثَباتُهم على أصل الإيمان وحِفظهم من الفتنة نوعًا من
النصر أيضًا، والله أعلم.
﴿وَأَوۡرَثۡنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ ٱلۡكِتَـٰبَ﴾ أي: التوراة.
﴿هُدࣰى وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ ربط بين الوحي والعقل، على خلافِ من يتوهَّم الانفِصال بينهما.