﴿فَإِمَّا نُرِیَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِی نَعِدُهُمۡ﴾ من عذاب الدنيا، وقد حصَلَ لهم ذلك في بدر وغيرها.
﴿أَوۡ نَتَوَفَّیَنَّكَ فَإِلَیۡنَا یُرۡجَعُونَ﴾ أي لو توفَّيناك قبل أن ترَى عذابَهم - والخطابُ للنبيِّ
ﷺ -، فالجوابُ أنهم سيرجِعُون إلى الله، وسترَى عذابَهم الأكبر، وليس معنى هذا أنهم لا يُعذَّبون في الدنيا بعد وفاته
ﷺ.
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلࣰا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَیۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَیۡكَۗ﴾ فيه جوابٌ ضمنيٌّ لمن يسأل عن سرِّ وجود الأنبياء كلهم في هذه المنطقة ما بين الفُرات إلى النيل؛ إذ إنّ من الأنبياء من لم يُذكَر في القرآن الكريم، ولم تُذكَر أرض بِعثته، وفيه أيضًا تنبيهٌ لنا ألَّا نتناول أحدًا من المُصلِحين والمُؤثِّرين في العالم بسوءٍ؛ لأنه قد يكون من هؤلاء النبيين الذين لم يقصُصهم الله علينا وإن حُرِّفَت رسالاتهم، فتحريفُ الرسالة الصحيحة واردٌ، كما حُرِّفَت رسالة موسى وعيسى
عليهما السلام، فالتوقُّفُ عن القول بنبُوَّتهم أو إنكارها أَولَى، والله أعلم.
﴿وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن یَأۡتِیَ بِـَٔایَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ﴾ والآية هنا: الخارقة التي يطلبها المشركون على سبيل التحدِّي؛ فالرسول ليس هو الذي يصنع المعجزات، وإنما الله هو الذي يُجرِيها على يديه تأييدًا له، والله سبحانه هو الذي يختار المعجزة المناسبة لكل نبيٍّ وليس لمخلوقٍ في هذا شأن.
﴿وَلَكُمۡ فِیهَا مَنَـٰفِعُ﴾ غير الأكل من لحومها، والركوب على ظهورها، ففي جلودها منافع أيضًا، وفي أوبارها وأصوافها وأشعارها، وغير ذلك.
﴿كَانُوۤاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةࣰ وَءَاثَارࣰا فِی ٱلۡأَرۡضِ﴾ أي: أن الأمم السابقة التي أهلكها الله كانوا أكثر من قريش وأقوى وأكثر عمرانًا في الأرض، وفي هذا تهديدٌ للمشركين وتخويفٌ لهم، ودفعهم إلى التفكير بما يُنجيهم من هذا الهلاك.
﴿فَلَمَّا جَاۤءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ﴾ أي: فرِحُوا بما عندهم فرح المغرُور المُتكبِّر حتى أعماهم هذا الفرحُ عن تلك البيِّنات.
﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ یَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ أي: نزَلَ بهم العذاب الذي كانوا يُنكِرُونه ويستهزِئُون به.
﴿فَلَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَا قَالُوۤاْ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥ﴾ وهو البأس الذي حاقَ بالأمم السابقة؛ كالصيحة، والرجفة، ونزول هذا النوع من العذاب بعد تقدُّم الوعيد به يُلجِئُ الناسَ إلى الإيمان اضطرارًا، وهو إيمانٌ لا ينفع أصحابه؛ ولذلك ردَّ القرآن عليهم إيمانهم هذا:
﴿فَلَمۡ یَكُ یَنفَعُهُمۡ إِیمَـٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی قَدۡ خَلَتۡ فِی عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ﴾.