في هذه الآيات يختار القرآن مثلًا لهؤلاء المشركين المُعاندين، مثل فرعون وقومه، وموقفهم من رسالة موسى
عليه السلام ثم ما حصل لهم من عذاب وخراب:
أولًا: ذكَّرَ القرآن برسالة موسى
عليه السلام إلى فرعون وقومه؛ حيث دعاهم إلى إطلاق القوم المُضطهدين - وهم بنو إسرائيل - وتحريرهم من نَيْر العبودية الفرعونيَّة، ثم دعا الفراعنة أنفسهم لطاعة الله، وترك التعالي والتكبُّر على الحقِّ، وإلا فليتركوه وشأنه ولا يتعرَّضوا له ولدعوته بالأذى
﴿۞ وَلَقَدۡ فَتَنَّا قَبۡلَهُمۡ قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَ وَجَاۤءَهُمۡ رَسُولࣱ كَرِیمٌ ﴿١٧﴾ أَنۡ أَدُّوۤاْ إِلَیَّ عِبَادَ ٱلـلَّــهِۖ إِنِّی لَكُمۡ رَسُولٌ أَمِینࣱ ﴿١٨﴾ وَأَن لَّا تَعۡلُواْ عَلَى ٱلـلَّــهِۖ إِنِّیۤ ءَاتِیكُم بِسُلۡطَـٰنࣲ مُّبِینࣲ ﴿١٩﴾ وَإِنِّی عُذۡتُ بِرَبِّی وَرَبِّكُمۡ أَن تَرۡجُمُونِ ﴿٢٠﴾ وَإِن لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ لِی فَٱعۡتَزِلُونِ﴾.
ثانيًا: أصرَّ الفراعنة على موقفهم الظالم الآثم، ولحِقُوا بموسى والمؤمنين معه بعد أن تركوا لهم أرضَهم وسلطانَهم
﴿فَدَعَا رَبَّهُۥۤ أَنَّ هَـٰۤـؤُلَاۤءِ قَوۡمࣱ مُّجۡرِمُونَ ﴿٢٢﴾ فَأَسۡرِ بِعِبَادِی لَیۡلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴿٢٣﴾ وَٱتۡرُكِ ٱلۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندࣱ مُّغۡرَقُونَ ﴿٢٤﴾ كَمۡ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتࣲ وَعُیُونࣲ ﴿٢٥﴾ وَزُرُوعࣲ وَمَقَامࣲ كَرِیمࣲ ﴿٢٦﴾ وَنَعۡمَةࣲ كَانُواْ فِیهَا فَـٰكِهِینَ ﴿٢٧﴾ كَذَ ٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَـٰهَا قَوۡمًا ءَاخَرِینَ ﴿٢٨﴾ فَمَا بَكَتۡ عَلَیۡهِمُ ٱلسَّمَاۤءُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِینَ﴾.
وهكذا انتهت قصّة الصراع بين الفئة المؤمنة على استضعافها وفقرها وقلة حيلتها، وبين الفئة الطاغية المُتجبِّرة؛ حيث أغرقهم الله جميعًا، فكانوا عبرة لكلِّ مُعتبِر.
ثالثًا: اصطفى الله تلك الثُّلَّة التي آمنت بموسى ورسالته واختارهم على علمٍ على العالمين، وفي هذا إشارةٌ مبشِّرةٌ للثُّلَّة التي آمنت بمحمدٍ
ﷺ أنَّ الله سيصطَفِيهم وسيُمكِّن لهم دينهم
﴿وَلَقَدۡ نَجَّیۡنَا بَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ مِنَ ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِینِ ﴿٣٠﴾ مِن فِرۡعَوۡنَۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَالِیࣰا مِّنَ ٱلۡمُسۡرِفِینَ ﴿٣١﴾ وَلَقَدِ ٱخۡتَرۡنَـٰهُمۡ عَلَىٰ عِلۡمٍ عَلَى ٱلۡعَـٰلَمِینَ ﴿٣٢﴾ وَءَاتَیۡنَـٰهُم مِّنَ ٱلۡـَٔایَـٰتِ مَا فِیهِ بَلَـٰۤؤࣱاْ مُّبِینٌ﴾.
رابعًا: قارَنَ القرآن بين هؤلاء المشركين وما ينتظرهم جزاءَ ظُلمهم وتكذيبهم وبين أسلافهم من المشركين
﴿إِنَّ هَـٰۤـؤُلَاۤءِ لَیَقُولُونَ ﴿٣٤﴾ إِنۡ هِیَ إِلَّا مَوۡتَتُنَا ٱلۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُنشَرِینَ ﴿٣٥﴾ فَأۡتُواْ بِـَٔابَاۤىِٕنَاۤ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ ﴿٣٦﴾ أَهُمۡ خَیۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعࣲ وَٱلَّذِینَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَـٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِینَ﴾ فهذه الأقوام التي أهلكها الله إنما أهلكَهم لأنَّهم كانوا يقولون بما يقوله هؤلاء المشركون اليوم من تشكيكهم بالوحي، وتكذيبهم بيوم الحساب.