سورة الطارق تفسير مجالس النور الآية 2

وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ ﴿٢﴾

تفسير مجالس النور سورة الطارق

المجلس الثمانون بعد المائتين: إنه لقولٌ فصل وما هو بالهَزل


سورة الطارق


تناوَلَت سورة الطارق طرفًا من الصراع الدائر بين الوثنيَّة والإسلام؛ فنبَّهت إلى ما في الكون وما في خلق الإنسان نفسه من دلائل على توحيد الله وقدرته على إعادة الحياة لهذا الإنسان، مُؤكِّدة أنّ القرآن هو القول الفصل الذي لا يعرِفُ الهَزْل، ومُحذِّرةً أولئك الذين يريدون كيدًا بهذه الدعوة بأنَّ كيدَهم راجِعٌ إليهم، وكما يأتي:
أولًا: يُقسِم الله تعالى في مستهَلِّ هذه السورة بالسماء، وبالنجم الثاقب الذي يظهَر في قُبَّتها حينما يعمُّ الظلام ﴿وَٱلسَّمَاۤءِ وَٱلطَّارِقِ ﴿١﴾ وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ ﴿٢﴾ ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ﴾ وهذا القَسَم مع ما فيه من تأكيدٍ للمُقسَم عليه، فيه أيضًا التنبيهُ إلى آيات الله المبثوثة في هذا الكون.
ثانيًا: ثم يأتي جوابُ القَسَم المُؤكِّد لمسؤوليَّة الإنسان عن أعماله، وأنَّها محفوظةٌ عليه؛ ليُجزَى بها خيرًا كانت أو شرًّا، وهذا هو مقصد الحياة الكُلِّي؛ فالإنسان لم يُخلَق عبَثًا، وأعماله لن تذهَب سُدًى ﴿إِن كُلُّ نَفۡسࣲ لَّمَّا عَلَیۡهَا حَافِظࣱ﴾.
ثالثًا: ثُمَّ تدعو السورة هذا الإنسان ليُفكِّر في خلقه وأصل نشأته؛ ليعلَم أنَّ مَن خَلَقَهُ أولًا قادرٌ على خلقه ثانيًا، وأنَّه سيُواجِهُ اللهَ بأعماله كما هي، ولن تكون معه قوة تَحمِيه، ولا ناصِرٌ ينصُرُه ﴿فَلۡیَنظُرِ ٱلۡإِنسَـٰنُ مِمَّ خُلِقَ ﴿٥﴾ خُلِقَ مِن مَّاۤءࣲ دَافِقࣲ ﴿٦﴾ یَخۡرُجُ مِنۢ بَیۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَاۤىِٕبِ ﴿٧﴾ إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرࣱ ﴿٨﴾ یَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَاۤىِٕرُ ﴿٩﴾ فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةࣲ وَلَا نَاصِرࣲ﴾.
رابعًا: ثُمَّ يُقسِمُ الله تعالى مرةً أخرى بالسماء، ويُقسِمُ بالأرض أنَّ القرآن هو القول الفصل والحقُّ الذي ليس فيه هزل ﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ ﴿١١﴾ وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ ﴿١٢﴾ إِنَّهُۥ لَقَوۡلࣱ فَصۡلࣱ ﴿١٣﴾ وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ﴾.
خامسًا: تختتم السورة بتهديدٍ شديدٍ لأولئك الذين يُكذِّبون بالقرآن، ويكيدون لهذه الدعوة ﴿إِنَّهُمۡ یَكِیدُونَ كَیۡدࣰا ﴿١٥﴾ وَأَكِیدُ كَیۡدࣰا ﴿١٦﴾ فَمَهِّلِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَیۡدَۢا﴾.


﴿وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلطَّارِقُ﴾ استفهامٌ يُقصَدُ به التنبيه إلى أهميَّة المُستفهَم عنه.
﴿ٱلنَّجۡمُ ٱلثَّاقِبُ﴾ هو تفسيرُ القرآن للطارق، بمعنى أنَّه نَجْمٌ ساطعٌ يثقبُ الظلام بسطوعه، وكلمة الطارق من الطرُوق، وهو: القدوم ليلًا، وهناك بعضُ الباحثين في علم الفلك يتكلَّمُون عن اكتشاف نجمٍ يُصدِرُ صوتًا كصوت المطرَقة، فإن صحَّ هذا كان معنًى مضافًا إلى معنى الظهور ليلًا، لا نافيًا له.
﴿إِن كُلُّ نَفۡسࣲ لَّمَّا عَلَیۡهَا حَافِظࣱ﴾ ﴿لَّمَّا﴾ هنا بمعنى: إلَّا، وتفيد - مع تقدُّم إنْ النافية - معنى الحصر، بمعنى أنّه ليس هنالك مِن نفسٍ إلَّا عليها حافظ، ومعنى الحافظ هنا: المَلَك المُكلَّف بإحصاء عمل الإنسان خيره وشرِّه، كبيره وصغيره.
﴿خُلِقَ مِن مَّاۤءࣲ دَافِقࣲ﴾ هو ماء الرجل؛ وسمي دافقًا لأنَّه يخرُجُ بقوةٍ وسرعةٍ.
﴿یَخۡرُجُ مِنۢ بَیۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَاۤىِٕبِ﴾ إذا كان فاعل ﴿یَخۡرُجُ﴾ يعودُ إلى الماء، فمعناه أنَّ الصُّلب والترائب كلَّها في الرجُل، وهي الأماكن التي يتكوَّن فيها المنِيُّ، ويمرُّ من خلالها، أمَّا إذا كان يعودُ على الإنسان؛ فالإنسان يتكوَّن من ماء الرجل وماء المرأة، فيكون الصُّلب للرجل، والترائِب للمرأة، وهذا الأشهَر في لغة العرب، والله أعلم.
﴿إِنَّهُۥ عَلَىٰ رَجۡعِهِۦ لَقَادِرࣱ﴾ أي: إنَّ الله تعالى قادرٌ على إرجاعه للحياة مرة ثانية كما خلقه أولًا.
﴿یَوۡمَ تُبۡلَى ٱلسَّرَاۤىِٕرُ﴾ هو يوم الحساب الذي تُكشَفُ فيه الخبايا والنوايا بعد أن كانت مستورة عن الخلق، وكشفُ السرائر يدلُّ بطريق الأَولَى على كشف ما سِواها، ومحاسبة الإنسان على كلِّ ذلك، ومعنى ﴿تُبۡلَى﴾ أي: تُختبر وتُفحص، وتظهر على حقيقتها.
﴿فَمَا لَهُۥ مِن قُوَّةࣲ وَلَا نَاصِرࣲ﴾ أي: ليس لهذا الإنسان يوم الحساب من قوةٍ يدفع بها عن نفسه، ولا ناصِر يستنصِر به.
﴿وَٱلسَّمَاۤءِ ذَاتِ ٱلرَّجۡعِ﴾ هذا قسَمٌ آخر يُقصَدُ به التنبيه إلى أهمية المُقسَم عليه وخطورته، وقد أقسَمَ الله بالسماء مرةً ثانيةً مع إضافة معنًى مُرتبطٍ بحياة الناس، وهو المطر؛ وتفسير الرَّجْع بالمطر لأنَّ المطر يعود مرة بعد أخرى في كلِّ موسم.
﴿وَٱلۡأَرۡضِ ذَاتِ ٱلصَّدۡعِ﴾ هذا قَسَمٌ آخر يفيد تأكيد خطورة المُقْسَم عليه؛ حيث أقسَمَ الله بالأرض وهي تتشقَّق بالنبات بعد المطر، كما تقدَّم قوله تعالى في سورة عبس: ﴿أَنَّا صَبَبۡنَا ٱلۡمَاۤءَ صَبࣰّا ﴿٢٥﴾ ثُمَّ شَقَقۡنَا ٱلۡأَرۡضَ شَقࣰّا ﴿٢٦﴾ فَأَنۢبَتۡنَا فِیهَا حَبࣰّا ﴿٢٧﴾ وَعِنَبࣰا وَقَضۡبࣰا﴾ [عبس: 25- 28].
﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلࣱ فَصۡلࣱ﴾ هذا هو المُقْسَم عليه، والذي يراد تأكيده والتنبيه على خطورته، وهو أنَّ هذا القرآن العظيم هو الذي يفصل بين الحقِّ والباطل، فيُحقّ الحقَّ، ويُبطل الباطل.
﴿وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ﴾ أي: هو الأمر الجدُّ الذي لا يعرف الهزل، وفي هذا تعريضٌ بعقائد المشركين وتخرُّصاتهم، ولهوهم وعبثهم في دينهم.
﴿إِنَّهُمۡ یَكِیدُونَ كَیۡدࣰا﴾ أي: يمكُرُون برسول الله ، ويكيدون به وبدعوته، والكلام هنا عن كُفَّار مكَّة.
﴿وَأَكِیدُ كَیۡدࣰا﴾ هذا وعيدٌ من الله لهم، وهو على سبيل المشاكلة، بمعنى أنَّه تعالى سيُقابل كيدهم بما يُناسبه، وسوف يَجزِيهم به، فيكونون هم المَكِيدِين.
﴿فَمَهِّلِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَیۡدَۢا﴾ أي: انتظر ما يحلُّ بهم قريبًا ولا تستعجل لهم، و﴿رُوَیۡدَۢا﴾ أي: وقتًا قصيرًا.