﴿لَاۤ أُقۡسِمُ بِهَـٰذَا ٱلۡبَلَدِ﴾ هذه صيغةٌ معهودةٌ من صيغ القسَم المؤكَّد، و
البلد المُقسَم به هو مكَّة شرفها الله.
﴿وَأَنتَ حِلُّۢ بِهَـٰذَا ٱلۡبَلَدِ﴾ أي: وأنت يا محمد مُقيمٌ في هذا البلد، فبِك زاد الله هذا
البلد تشريفًا وتعظيمًا، وفيه أنَّ هذه الرسالة المحمَّديَّة مُرتبطة ارتباط هويَّةٍ وانتماءٍ بهذه البقعة المباركة.
﴿وَوَالِدࣲ وَمَا وَلَدَ﴾ هذا القسَم يُشير إلى سنّة الله في هذا الخلق؛ فكلّ إنسانٍ هو مولودٌ وله والِد، والحياة في الحقيقة ليست سِوَى هذا؛ والدٌ ومولودٌ، أجيالٌ تمضي وأجيالٌ تأتي، وفائدة هذا القسَم - مع التنبيه إلى سُنَّة الله هذه وقدرته - أنَّه يُمهِّد للمقسَم عليه، وهو جواب القسم الآتي.
﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ فِی كَبَدٍ﴾ أي: يحيَا حياته الدنيا في تعبٍ ومشقَّةٍ.
﴿أَیَحۡسَبُ﴾ ذلك الإنسان الغافل المُنهمِك في متاعه الزائل وشهواته
﴿أَن لَّن یَقۡدِرَ عَلَیۡهِ أَحَدࣱ﴾
﴿یَقُولُ أَهۡلَكۡتُ مَالࣰا لُّبَدًا﴾ أي: يُفاخِر بكدِّهِ وتعَبهِ الذي جمَعَ به مالًا كثيرًا ثم أنفَقَه على نفسه، و
﴿لُّبَدًا﴾ أي: مُتلبِّدًا بعضُه فوق بعض، والمقصود به الكثرة.
﴿أَیَحۡسَبُ أَن لَّمۡ یَرَهُۥۤ أَحَدٌ﴾ هذا لومٌ وتقريعٌ لكلِّ مَن يبذِّر ماله في غير مصلحةٍ دون حسابٍ ليوم الحساب، ولا أداء لحقِّ الله، أو حقِّ عباده.
﴿وَهَدَیۡنَـٰهُ ٱلنَّجۡدَیۡنِ﴾ أي: أعطَيناه العقل الذي يُميِّزُ به بين النافع والضار، وبين طريق النجاة وطريق الهلاك، ومعنى النجدَين: الطريقَين.
﴿فَلَا ٱقۡتَحَمَ ٱلۡعَقَبَةَ﴾ أي: لم يُفلِح في اجتياز الحائل الذي يحُول بينه وبين سعادته الأبديَّة.
﴿وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡعَقَبَةُ﴾ هذا استفهامٌ يُقصَدُ به التنبيه إلى خطورة المُستفهَم عنه وأهميته، والتشويق لمعرفة الجواب.
﴿فَكُّ رَقَبَةٍ﴾ أي: الإنفاق من أجل عِتق العبيد وتحريرهم، وقد عدَلَ القرآن هنا عن تفسير العقبة إلى بيان شروط اجتيازها، وهذه طريقةٌ قرآنيَّةٌ؛ أنَّه يركز في المسائل العمليَّة ولا يقِف كثيرًا عند الألفاظ ومدلولاتها المجرّدة.
﴿أَوۡ إِطۡعَـٰمࣱ فِی یَوۡمࣲ ذِی مَسۡغَبَةࣲ﴾ أي: ذي جوعٍ، والإطعام في وقت الجوع أكثر برًّا وإحسانًا من الإنفاق مع الشبَع، الذي يتّخذ في الغالب للسمعة والمباهاة.
﴿یَتِیمࣰا ذَا مَقۡرَبَةٍ﴾ إشارة إلى أنَّ اليتيم بحاجةٍ إلى أقربائه؛ لأنَّه يجِد فيهم عِوضًا عمَّن فقَدَه، إضافةً إلى حاجته إلى الطعام إن كان فقيرًا.
﴿أَوۡ مِسۡكِینࣰا ذَا مَتۡرَبَةࣲ﴾ أي: لا يجِد إلَّا التراب، كناية عن أنَّه لا يملك شيئًا.
﴿أُوْلَــٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَیۡمَنَةِ﴾ أي: أصحاب اليمين الذين يُعطَون كتابهم يوم القيامة بأيمانهم، علامةً على نجاحهم وقبولهم عند الله.
﴿وَٱلَّذِینَ كَفَرُواْ بِـَٔایَـٰتِنَا هُمۡ أَصۡحَـٰبُ ٱلۡمَشۡـَٔمَةِ﴾ أي: أصحاب الشمال ممن يُعطَون كتابهم بشمالهم، علامةً على هلاكهم وطردهم من رحمة الله.
﴿عَلَیۡهِمۡ نَارࣱ مُّؤۡصَدَةُۢ﴾ أي: مُغلَقة عليهم، فلا يجِدون منها مهربًا.